Close Menu
الساعة الآن 08:45 PM

منتديات ياكويت.

للتسجيل إضغط هنا

الابحاث وتطوير الذات تاريخ, جغرافيا, علم اجتماع, سياسة, اقتصاد واعمال, علم نفس, قانون

أدوات الموضوع
إضافة رد

انا وانت وانت وانا

:: عضو جديد ::

بحث عن الغزو الفكري والثقافي

الشباب والغزو الفكري والثقافي


"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد"

تعريف الغزو الفكرى والثقافى:


فيمكن القول بأن بين الغزو الفكري والثقافي تقارباً أو عموماً وخصوصاً، ويتضح ذلك من خلال التعريف:
فالغزو الفكري يقصد به: (إغارة الأعداء على أمة من الأمم بأسلحة معينة، وأساليب مختلفة، لتدمير قواها الداخلية، وعزائمها ومقوماتها، وانتهاب كل ما تملك)
والفرق بينه وبين الغزو العسكري، أن الغزو العسكري يأتي للقهر وتحقيق أهداف استعمارية دون رغبة الشعوب المستعمرة، أما الغزو الفكري فهو لتصفية العقول والأفهام، لتكون تابعة للغازي.
انظر: في الغزو الفكري للدكتور أحمد عبد الرحيم السائح من إصدارات كتاب الأمة ص: 33
والغزو الثقافي يراد به: أن تقوم مجموعة سياسية أو اقتصادية بالهجوم على الأسس والمقومات الثقافية لأمة من الأمم بقصد تحقيق مآربها، ووضع تلك الأمة في إسار تبعيتها وفي سياق هذا الغزو تعمد المجموعة الغازية إلى أن تُحِّل في ذلك البلد -وبالقسر- معتقدات وثقافة جديدة مكان الثقافة والمعتقدات الأصلية.
والغزو يأتي في اللغة بمعنى القصد والطلب والسير إلى قتال الأعداء، وأما الفتح فهو ما يعقب الغزو، فإذا غزا قوم بلداً من البلاد فقد يتوج غزوهم بالنجاح فتكون النتيجة فتحه، وقد لا يتوج بالنجاح فيرجعوا خائبين.
والله أعلم.









الغزو الفكري والثقافي: اللفظ مستعار من مجال السياسة والعلوم العسكرية بمعنى أنه مشبع بشكل من أشكال الهيمنة وهذا يعني وجود ثقافتين إحداهما قوية وسائدة ومسيطرة تواجه الأخرى الأضعف منها والتنحية المطرودة وتحاول أن تهيمن عليها كي تنشر ثقافتها، كما أن نشوءه مرتبط بتغير علاقات القوى في العالم، عندما شعرنا بأن الغرب مسيطر وسباق ومنتصر عسكرياً وسياسياً شعرنا بنوع من الخوف من هيمنته ثقافياً، وفي نفس الوقت اقتنع الغرب بأن المواجهة المباشرة في العالم العربي غير مجدية والمجدي هو أسلوب التفكيك ومن ثم الضرب، لهذا بدأ بغزو المجتمع فكرياً وثقافياً مبتدئاً بالأسرة وهي اللبنة الأساسية في المجتمع، ولا نستطيع أن نلومهم لأنه للجميع الحق في أن يفكروا بمصالحهم ونشر حضارتهم وثقافتهم، ولكن المهم هنا هو قوله بأننا ليس لدينا ممانعة ذاتية أو ممانعة للاستعمارن وكون الأفق الحضاري العربي الاسلامي قد انكمش كثيراً وأصبحت المرجعية هي المرجعية الغربية وبالذات فرنسا وانكلترا واليوم الولايات المتحدة الأمريكية.
كما إننا لايجوز لنا أن نتكلم عن هيمنة ثقافية دون ربطها بالهدف السياسي، الموقف من الثقافة يرتبط بموقع الأمة حاملة الثقافة بين بقية الأمم. فمثلاً لماذا استطاعت اليابان الاحتفاظ بهويتها اليابانية بالطبع بسبب موقعها. إذاً تنشأ الأزمة من ضعف حسّنا بموقعنا بين الآخرين وكوننا لانستطيع أن نسجل سبقاً ثقافياً وفكرياً إذا كنا متأخرين من الناحية السياسية والاقتصادية.
وفي الختام هناك من يقول بأن الغزو الفكري الغربي ليس محصور ببقعة جغرافية معينة
أو فترة زمنية معينة بل تحول إلى آلة تطعن الجميع بما فيها الانسان الغربي نفس

يعيش العالم اليوم وكأنه قرية واحدة.. فما يقع في أقصى الأرض من أحداث يتأثر بها من يعيش في أدناها.. وما يبتدع من لباس أو زينة أو عادة أو فكر أو عقيدة ينتقل في وقت قصير لتعم شرق الأرض وغربها، وذلك عبر وسائط ومنافذ لا يكاد يخلو منها قطر اليوم أو بلد.. فالمحطات الفضائية والتلفزيون والراديو، والشريط المسجل.. مرئياً ومسموعاً.. الصحيفة والكتاب والسياحة، والمؤتمرات العامة.. كل ذلك جعل الناس يتأثر بعضهم ببعض، وينقل بعضهم عن بعض.

وكل ذلك يحتاج -إذا أردنا حماية مجتمعنا الإسلامي- وناشئتنا الإسلامية إلى جهود هائلة.. ليس لمجرد المنع وإغلاق المنافذ والأبواب، فقد أضحى هذا مستحيلاً، وإنما للتوجيه والبيان والإرشاد، والرد على الشبهات والأفكار الواردة، والعقائد المسمومة، وكل هذا ولا شك يحتاج إلى علماء ومتخصصين، على مستوى الحدث، فهماً له، ومعرفة بجذوره، وإدراكاً لمغازيه ومراميه، وقدرة على الرد.

ونأسف إذا قلنا أن أمتنا لا تملك أمام الغزو الثقافي والإعلامي بجيوشه الجرارة، وأسلحته الفتاكة إلا مقاومة قليلة، ولا تملك أيضاً من وسائل القوة والعلم للتصدي لمثل هذا الغزو إلا شيئاً يسيراً جداً.

لغزو الثقافي والمثقفون
قيل في الأمثال العربية "وفي الليل يحمد السُرى"، وقيل أيضاً "عند الصباح يحمد القوم السُرى"، وأقول كذلك وفي القناة الأولى من تلفزيوننا يحمد النقاش حول هذا الموضوع الذي ما زال يشغل بال المسلمين منذ عدة عقود من الزمن، ويبدو أن بعضنا مازال يتساءل: هل ثمة غزو ثقافي؟ ويزعم أن العالم أصبح قرية كونية كبيرة والأفكار والثقافة مطروحان أمام الجميع فمن شاء فليأخذ وليتأثر ولن يستطيع أحد أن يمتنع عن التأثر بالعالم من حوله مهما حاول.

لقد كانت ندوة مباركة تلك التي قدمها التلفزيون في برنامجه (وجهاً لوجه) الذي يبثه على الهواء مباشرة، وقد أهمّني كثيراً أن أتابع وقائع البرنامج لتخصصي في مجال الدراسات الإسلامية عند المستشرقين وأنتسب إلى القسم الوحيد في العالم الإسلامي الذي يجعل هذه الدراسات مجالاً للدراسة المنهجية ويمنح فيها درجات الماجستير والدكتوراه.

نعم تابعت بدقة ما دار في البرنامج، وإنني في البداية أكرر شكري للتلفزيون تقديمه مثل هذه البرامج المتميزة في موضوعاتها وطرحها وقد كان اختيار المتحدثين في البرنامج موفقاً حيث عرضوا وجهات النظر المختلفة حول هذه القضية وإن كانت ندوة واحدة لا تكفي مما وجب معه هذا التعليق.

أبدأ بالقول بأن الغزو الفكري ليس وهماً وهذا ما توصل إليه الدكتور محمد عمارة في كتاب خصصه لهذه القضية بعنوان (الغزو الفكري:وهم أم حقيقة؟) بل هو حقيقة وقد رجع في كتابه هذا إلى الجذور التاريخية لأوروبا -وما أمريكا إلاّ امتداد لها -حينما شنت أوربا النصرانية الحروب ضد سكان شمال أوروبا- الهمج البرابرة في نظرهم- لإدخالهم في النصرانية. وقد سبقهم اليونانيون في نشر ثقافتهم في البلاد التي احتلوها بدعوى ما سموه الأغرقة ومنها أخذت فرنسا ما سمته فيما بعد "الفرنسة".

ويمضي الدكتور عمارة مع الأوروبيين في تاريخهم إلى الحروب الدينية التي اشتعلت في أوروبا عدة قرون بسبب ما سمي عندهم " الإصلاح الديني" حيث لم تتحمل البابوية ظهور مفكرين ينافسونها في تفسير الديانة النصرانية أو ينتقدون فسادها. وكان من نتيجة هذه الحروب الدينية أن انقسمت أوروبا إلى كاثوليكية وبروتستانتية حتى إن الملك البريطاني جعل نفسه رأساً للكنيسة الانجليكانية.

هذا فيما بين الأوروبيين أنفسهم، وهو أمر يحتاج إلى مساحة أطول لتفصيله ولكن ما يهمنا هنا هو كيف خرجت أوروبا إلى العالم بنظرتها العرقية الاستعلائية تزعم فيما تزعم أنها صاحبة رسالة تفوق "الرجل الأبيض"، وأنها مسئولة عن تحضير البشرية. ويعجب المرء حين يرى أن احتلال الدول الأخرى وضعت له نظريات فلسفية واقتصادية وسياسية، وجعل الاستعمار أنواعاً متعددة فهذا استعمار اقتصادي، وذاك سياسي، وثالث ثقافي وديني.

وحين بدأت هجمة "الرجل الأبيض" على الشعوب الأخرى، كانت العملية مدروسة دراسة دقيقة ومنظمة بحيث لم تترك مجالاً للصدف أن يكون لها دور، فالغرب يعرف ما يريد من الشعوب الأخرى ويعرف الشعوب الأخرى معرفة دقيقة. بل إن الغرب -كما يقول الدكتور أبو بكر باقادر يعرفنا ويعرف تفاصيل التفاصيل عنّا- ولو جئنا نحصي ما أخرجته المطابع الأوروبية من دراسات -وما تخرجه الآن- عن الشعوب الأخرى لكان ذلك يفوق حتى الدراسات التي تنتجها الشعوب عن نفسها. وأكتفي بنموذج واحد عن دول الخليج العربية وهو دليل لويمر المؤلف من أربع عشرة مجلدة مقسماً إلى قسمين التاريخي والجغرافي. ولا يكاد يترك صغيرة ولا كبيرة في منطقة الخليج إلاّ أشبعها بحثاً ودراسة.

ثم كيف وظف هذه المعرفة للغزو الثقافي فأيضا المساحة لا تكفي للتفصيل فيها ولكنّي سأذكر نماذج من هذا الغزو فعندما هجم نابليون في حملته المشهورة وأحضر معه مئات من العلماء والباحثين والفنانين كان يعرف أن العالم الإسلامي مقبل على نهضة مباركة، وقد ذكر الأستاذ محمود شاكر مقومات تلك النهضة التي أجهضها نابليون. وعندما اضطر للمغادرة وترك نائباً له أرسل إلى هذا النائب يأمره أن يختار خمسمائة شخصية من شيوخ القبائل والأعيان ويرسلهم إلى فرنسا ليعيشوا فيها بعض الوقت وعندما يعودون إلى بلادهم يكونون أنصاراً لفرنسا.

ولمّا لم يتحقق هذا لخليفة نابليون جاء محمد علي إلى حكم مصر والقناصل الأوربيون لا يتركونه يتصرف دون أن يكون لهم كلمة في كل تصرف وبخاصة القنصل الفرنسي الذي أشار عليه أن يبدأ البعثات إلى فرنسا وبدلاً من خمسمائة من الشيوخ وكبار السن حصلت فرنسا على المئات من أنبغ أبناء مصر وأذكاهم ليعيشوا في فرنسا سنوات يعود منهم من يعود بغير الفكر و الرأي الذي ذهب به . حتى رفاعة رافع الطهطاوي إمام البعثة يعود ليمتدح الرقص وغير ذلك من عادات الفرنسيين حتى إنه يطلق على الرقص (الشلبنة)، واستمرت البعثات حتى كان طه حسين الذي دعا إلى الارتماء في أحضان الغرب ورفض كل هوية عربية إسلامية فمصر جزء من أوروبا -ولا أدري كيف أصبح عميداً للأدب العربي-

ومن أخبار هذه البعثات أن البعثة المغربية حينما أتمت مدة الدراسة أرسل المشرف على البعثة يطلب تمديد مدة بقاء الطلاب في فرنسا حتى "يتشبعوا بعظمة فرنسا". أما البعثة التركية فهي وأن كانت لدراسة العلوم الهندسية والفنون الحربية فإن المدربين الفرنسيين الذين تولوا تدريس الضباط الأتراك في فرنسا أو الـذين جاؤوا إلى تركيا حرصوا على توجيه أنظار الطلاب إلى قراءة الأدب الفرنسي بقراءة كتابات فولتيير وموليير وغيرهما.

ويذكر الأستاذ محمد الصبّاغ أن الابتعاث إلى فرنسا لم يكن مجرد مصادفة فإن فرنسا هي أولى الدول الأوربية التي تخلصت من نفوذ الكنيسة وتحررت من سيطرة البابوات كما أن الحياة الاجتماعية فيها كانت اكثر تحرراً من غيرها من البلاد الأوروبية وهذا ادعى إلى تأثر المبتعثين المسلمين. وأضيف لماذا كانت فرنسا هي التي احتضنت الحركات القومية العربية التي تمردت على الدولة العثمانية؟ هل كان هذا حباً للعرب؟

أتعجب كثيراً من الذين يزعمون أن الغزو الثقافي أمر وهمي، هل يعيشون في كوكب آخر أو هل غاب عن أذهانهم أن العالم يتسع لعشرات الهويات والمذاهب والشخصيات وأن الحضارة الغربية مهما كانت قوتها ونفوذها لن تستطيع أن تمحي تلك الهويات والشخصيات؟ هل غاب عنهم ما حاولت الدول الاستعمارية أن تفعله بالشعوب العربية المسلمة التي وقعت تحت نير الاحتلال؟

من السهل أن أحيل القارىء الكريم إلى عشرات الكتب التي تناولت هذه القضية مثل كتاب الدكتور محمد محمد حسين -رحمه الله تعالى- (حصوننا مهددة من داخلها، أو في وكر الهدامين)، أو كتابه (الإسلام والحضارة الغربية)، أو كتابة (الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث)، أو كتاب الشيخ محمود شاكر (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) أو كتابه (أسمار وأباطيل) وغيرها من الكتب، ولكنني أود أن أنقل صوراً من واقعنا المعاصر الذي نعيشه للغزو الفكري الذي ابتلينا به بعد أن رحل المستعمر الأبيض وحلّ محله المستعمِر الأسمر.

ونبدأ بالجانب العقدي فقد تأثر العالم الإسلامي عقدياً بالغزو الثقافي حيث انتشرت في العالم الإسلامي الطرق الصوفية وابتعد المسلمون عن التمسك بالعقيدة الإسلامية من حيث حقيقة الإيمان بالله عز وجل وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت. وأتساءل دائماً لماذا تفوق المسلمون الأوائل؟ ولا أجد إجابة أصدق من القول بأن المسألة تتعلق بالعلاقة بين الفرد وربه سبحانه وتعالى. فمتى استقامت العقيدة علم المسلم أن الرزق والحياة والموت بيد الله سبحانه وتعالى. وكم توقفـت عند وصف أحد العرب الذين كانوا في الجيش الروماني في أثناء فتوح الشام حيث قال: جئت من عند قوم رهبان بالليل فرسان بالنهار، الموت أحب إليهم من الحياة. وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم (توشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة إلى قصعتها) قالوا أو من قلة نحن يومئذ قال: لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل)

ألم تتأثر العقيدة الإسلامية بالغزو الثقافي الذي جعل العلاقة بين المسلمين وغيرهم مسألة مصالح وصراع اقتصادي وليس مسألة إيمان أو كفر. وقد تناول مؤلف كتاب (واقعنا المعاصر) مسألة الزعامات الوطنية التي خلت من التوجه الإسلامي وكانت ترى الصراع مع قوى الاحتلال الأجنبي مسألة وطن وتراب ومصالح.

وظهر الغزو الثقافي في مجال الأدب فكم ظهرت من دعوة في العالم الإسلامي تنادي بتبني المذاهب الأدبية الغربية في الكتابة وفي النقد حتى غفلنا أن لنا تاريخاً عظيماً ولغة من أعظم اللغات في العالم. ومن العجيب أن اللغة العربية التي كتبت وقيلت منذ أكثر من ألف وخمسمئة سنة يمكننا أن نفهمها في العصر الحاضر بينما لا يمكن للناطقين باللغة الإنجليزية مثلاً أن يفهموا ما كتبه شكسبير أو ملتون. بل إن عند الإنجليز ما يطلقون عليه اللغة الإنجليزية المتوسطة ومنها التي كتـب بها تشوسر "حكايات كونتبري". نعم قد يصعب على بعض العرب فهم بعض المفردات العربية في الشعر الجاهلي أو في المقامات أو في بعض ما كتبه الجاحظ وهذا ليس لأن اللغة تغيرت، ولكن لأن قدراتنا اللغوية ضعفت، كما أننا لم نعلّم أبناءنا استخدام المعاجم. ومن الغريب أن الأوروبيين يعلمون أبناءهم استخدام معاجم اللغة من المرحلة المتوسطة وربما الابتدائية.

ومن يريد أن يعرف ما حدث في ذائقتنا الأدبية فعليه الرجوع إلى كتاب الشيخ محمود شاكر (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا). وقد أُفسِدت الذائقة أكثر فاكثر عندما شاع ما يطلقون عليه الحداثة وما أسميه أحيانا الكلمات المقطّعة.

ومن الغزو الثقافي اللغوي أننا في معظم جامعاتنا العربية الإسلامية ما زلنا ندرّس العلوم والطب باللغات الأوروبية ن فهل عجزنا أو عجزت اللغة العربية أن تكتب بها هذه العلوم. وها هو الدكتور زهير السباعي يكتب تجربته في تعليم الطب باللغة العربية فيذكر إحصائيات دقيقة أن المصطلحات الطيبة في الكتب التي تدرس الطب لا تتجاوز ثلاثة بالمائة من المادة العلمية. وقد أدركت هذا وأنا أساعد ابني في مادة تجهيز المختبرات في كلية التقنية الطبية. فمن العبارات التي وردت باللغة الإنجليزية أن حجرة المختبر يجب أن تكون جدرانها مطلية بلون كذا ن وأن تكون سعتها كذا وغير ذلك من المعلومات التي يمكن بكل سهولة قولها باللغة العربية . وكذلك الحال في مواد أخرى.

ثم ألم يكن غزواً ثقافياً ذلك الذي أدى إلى انتشار المذاهب الشيوعية والاشتراكية في الحكم في العديد من البلاد العربية الإسلامية ، وحتى طغى الفكر الاشتراكي المادي على كثير من المثقفين في عالمـنا الإسلامي. وانتشر التأميم في بعض البلاد الإسلامية وتضخم القطاع العام حتى أصبح معظم الشعب في بعض البلاد يعمل في هذا القطاع وكأن هذا القطاع أنشىء ليس للإنتاج وإنما لتقديم رواتب للبطالة المقنعة. ومن طرائف هذا القطاع أن المكتب الواحد يحتله أكثر من موظف. بل أصبح شائعاً أن يأتي الناس صباحاً للتوقيع ثم يعودون ظهراً للتوقيع بالانصراف.

ولعل من الأمثلة على تأثير التفكير المادي ما صرح به الأستاذ مشعل السديري في البرنامج بأنه ليس هناك غزو ثقافي وأن كل ما في الأمر مصالح لدولة في دولة أخرى. فتعجبت مما سمعت وأتمنى أن أكون مخطئاّ فيما سمعت.فكيف نغفل عن هذا التاريخ والواقع الذي أمامنا ثم نصر على حتميات المصالح وقد سقطت الحتميات في البلد الذي نشأت فيه.

والغزو الثقافي واضح في إغراق أسواق العالم بالإنتاج التلفزيوني بأرخص الأسعار وبخاصة في مجال أفلام الكرتون الموجهة للأطفال وذلك حتى لا يقوم المسلمون والأمم الأخرى بإنتاج ما يناسبها ولتستمر الهيمنة الثقافية الغريبة فهم أيضاً يشجعون السينما المحلية التي تعد في غالبها امتداداً للغزو الثقافي الغربي. أرجو أن يتصل الحديث في هذا الموضوع مستقبلاً

(الغزو الثقافي المعادي)
في شهر حزيران - يونيو 1998 خرجت مجلة " تايم " الأمريكية وعلى غلافها صورة لمئذنة مع يد تحمل رشاشاً ومع عنوان رئيس في أعلى الغلاف نصه : " هل يتوجب علينا الخوف من الإسلام ؟" ؛ وفي العدد نفسه تنشر المجلة تقارير لمراسليها في العالم يتحدثون فيها عن انتشار الإسلام وتحوله إلى قوة عالمية يجب أن يحسب لها حساب ؛ خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإضافة جمهوريات إسلامية جديدة في وسط آسيا إلى القوة الإسلامية .

ثم تحذر المجلة في مقال استفزازي الغرب لأنه عاد يدق أبواب العالم بقوة ؛ و" قد بدا بتوجيه اللكمات إلى أوروبا والعالم الحر ..".

كما تقول المجلة مكرسة نفسها في هذا العدد للتحذير من الإسلام والمسلمين بصورة عدائية استفزازية ؛ ومع ذلك فإن عدد ال: تايم : لم يثر القارئ الغربي كثيراً لأن الإعلام الغربي بشكل عام منهمك في محاولة تفسير هذا الانتشار السريع للإسلام في العالم الحديث ويحذر من هذا الانتشار حتى أن صحيفة اللوموند الفرنسية مثلاً نشرت في شهر آذار - مارس 2000 تحليلاً لآلآن روبييه قال فيه " إن الغرب منذ 1300 سنة يعيش هاجس مقاومة الإسلام ؛ ولكن مع هذا الانتشار السريع للإسلام في الزمن الحالي ما الذي يملك الغرب فعله ؛ إنه لم يعد يملك شيئاً؛ فلإسلام هذه المرة ينقض على الغرب وقريباً سوف تنتهي قيم الغرب الروحية والثقافية والمادية إن لم يجد الغرب وسائل لصد الإسلام " .

ما كتبه روبييه يتشابه مع كتبه بريان بيد هام في صحيفة هيرالد تريبيون في أواسط عام 1997 قائلاً: إن الحرب مع الشيوعية كانت ثانوية قياساً بالحروب مع الإسلام والمسلمين؛ فالحرب مع الشيوعية استغرقت سبعين عاماً فقط ؛ بينما حروب الغرب مع الإسلام بدأت منذ 1300 سنة ولم تتوقف حتى الآن ؛ وإذا استمر الإسلام في انتشاره بهذه السرعة في العالم فإن الغرب سيكون أخيراً هو الخاسر ".

بهذه اللهجة القلقة يتحدث الإعلام الغربي عن انتشار الإسلام ؛ وهي لهجة ليست جديدة في هذا الإعلام ؛ ولكن المتتبع لها يجد أن حدتها وشراستها كانت دائماً تتوازى مع قوة العالم الإسلامي أو ضعفه ؛ ففي العقود الماضية من هذا القرن بدا الخطاب الغربي مطمئناً تجاه الإسلام إلى حد ما ؛ فالبلاد الإسلامية كلها تقريباً كانت تحت السيطرة الغربية ؛ وانعكس ذلك الاطمئنان في الاجتماع السنوي الثاني والعشرين للجمعية الأمريكية الكاثوليكية التاريخية الذي عقد عام 1941 ؛ ففيه ألقى مارشال بلدوين رئيس الجمعية خطاباً قال فيه " إن الغرب ما عاد ينظر إلى الإسلام باعتباره خطراً على الحضارة الغربية " ثم ذكّر بلدوين مستمعيه بأن" العالم المسيحي ظل يواجه خطر العالم الإسلامي لفترة تقرب من ألف سنة تمتد من تاريخ وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 632 . المجتمع حتى تاريخ انهيار آخر هجوم عثماني أمام فيينا عام 1638 .م" (1).

والآن ؛ إذا قارنا ما بين كلمة بلدوين التي قالها عام 1941 . المجتمع وهو مطمئن تجاه الإسلام ؛ ومقالتي روبييه وبيد هام وهما في حالة قلق من انتشار الإسلام ؛ سنجد أن القاسم المشترك بينها هو اعتبار الإسلام عدواً؛ وأنه بحالة حرب مع الغرب المسيحي منذ 1300 سنة ؛ ويجب عدم نسيان الثأر من الإسلام لأنه ألحق الهزائم العسكرية الفادحة بالعالم الغربي عبر التاريخ ؛ وهكذا فإن أعداء الإسلام يحرصون على إبقاء نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين عدائية .


تفاعل أم غزو ؟

في الصحوة الإسلامية المعاصرة تفاقمت نظرة العداء نحو الإسلام من قبل أعدائه ؛ وبالتالي ازدادت جهودهم لتوسيع المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في أذهان الغربيين من جهة ؛ وتصعيد عمليات الغزو الثقافي للمسلمين من جهة أخرى ؛ والمؤسف أن بعض المفكرين المسلمين يرفضون مصطلح الغزو الثقافي أو الفكري لأن (الغزو) مصطلح عسكري ؛ ويطالبون بأن نتحدث عن (استيراد) فكري أو إيديولوجي بمعنى التفاعل مع الغرب ؛ ولهذا فإن الحديث عن (الغزو الفكري) في رأيهم يعني الانغلاق على الهوية؛ وهو ما يجب أن يتحاشاه المسلمون

إن أمر هؤلاء عجيب فعلاً؛ فهم يرفضون أن نتحدث عن الغزو الثقافي الذي يستهدف المسلمين كي لا نُتهم بالانغلاق على الهوية ؛ في حين أن ألمانيا مثلاً تتحدث عن ضرورة مقاومة الغزو الفرنسي للثقافة الألمانية ؛ وفرنسا بدورها تثير بعنف مسألة الغزو الثقافي الأمريكي للفرنسيين؛ ووزير الثقافة الدانماركي وقف مؤخراً أمام البرلمان الدانماركي وتحدث عن أخطار الغزو الثقافي الأمريكي على الدانماركيين ؛ بينما المسلمون برأي بعض مفكريهم يجب أن لا يتحدثوا عن الغزو الثقافي الذي يستهدفهم مع أنه أمر واقع وخطير ؛ بل إننا نصل مع الدكتور فؤاد زكريا وعلي حرب إلى أنه يجب أن نتحدث عن (انفتاح ثقافي)(2) وهذا يعني أن نتحدث عن خلوّ وفاضنا من الثقافة وضرورة أن نستورد ثقافة الآخرين بلا قيود!!

يتناسى هؤلاء بأن الثقافة الموجهة إلينا لم توجه أصلاً إلاّ لغايات عدوانية ؛ وما هي إلاّ جهد خبيث للحد من انتشار الإسلام ؛ وأن ثقافة الغزو آتية إلينا من أعداء لم ينسوا ثاراتهم مع الإسلام ؛ وما من مسلم عاقل يقبل بعد هذا بأن تغزو ثقافة الغرب بهذا الشكل عقولنا؛ وأن تنفذ إلى وجودنا من خلال السينما والتلفاز والأغنيات والأدب وكتب الموضة والمجلات ؛ مع أننا يجب أن نعترف بأن العالم شهد تقدماً في العلوم بينما ظللنا متخلفين وعلينا أن نلحق بالركب ونبلغ التقدم وأن نستفيد من علوم الآخرين ونكسبها ولكن دون أن نخضع إلى تأثيرهم أو نكون تابعين لهم وتحت سلطتهم الثقافية ؛ ودون أن ننسى بأن لدينا من الإرث الثقافي والفكري والعلمي ما يستحق الاعتزاز ؛ وهذا يعني أن ثمة فارقاً بين الغزو الثقافي والتفاعل الثقافي ؛ فلكل أمة من الأمم تمايزها الثقافي ؛ وهذا التمايز هو الذي يحمل قيم كل أمة وإبداعاتها وإبداعات أبنائها وأصالة هذا الإبداع ؛ وما يحدث اليوم هو محاولات حثيثة من قبل أعداء الإسلام لإلغاء التمايز الثقافي للمسلمين وإحلال قيم ثقافات أخرى محل ثقافتهم .


هكذا يفعلون


ولكي نوضح أن ما يحدث هو غزو وليس تبادلاً فكرياً نورد بعض أشكال وأساليب هذا الغزو حيث نجد أن أهم ما يلجأ إليه الغرب في حربه ضد المسلمين والإسلام هو عرضه الخبيث للفارق بين واقع المسلم وواقع المواطن الغربي من جميع النواحي ؛ فهم يصورون الغربي على حالة من الرفاهية والنعيم التي يصعب على المسلم أن يصل اليها ؛ ويصورون الغربي في حالة من الحرية والرخاء وحرية القول والعمل ؛ بينما المسلم مكبوت مضطهد لا يستطيع أن يتصرف أو يتكلم بحرية!!

وبعد أن يرسخ أعداء الإسلام هذه المفاهيم في أذهان بعض المسلمين وكأنها أمر واقع لا سبيل إلى تغييره يمضون في بث الشعارات والمفاهيم المغرضة ؛ ولنعترف بأن هذه المفاهيم المغلوطة قد تكونت لدى كثير من الأجيال المعاصرة واستطاعت أن تحدد للدين دوره بمعزل عن الحياة وفي زاوية ضيقة يلخصها شعار- فصل الدين عن الدولة -أو تلغي دوره من الحياة أساساً ؛ فهو لا يرتبط بالواقع من خلال المعاني التي تصنع القوة والحركة والتقدم ؛ بل ينظر إليه باعتباره سبب الضعف والجمود والتأخر كما تدل على ذلك شعارات كاذبة مثل " الدين أفيون الشعوب " و " الدين ضد العلم "....!!


ويمكن أن نعدد أيضاً من أساليب الغزو الثقافي المحاولات التالية

- توظيف السينما والتلفزة ؛ فثمة مئات من الأفلام السينمائية الغربية التي تحاول تشويه صورة الإسلام والمسلمين ؛ ويومياً تبث الأقنية الفضائية عشرات المسلسلات التلفزيونية التي تكرس فكرة تخلف المسلمين .

- توظيف الكثير من الكتاب والمؤلفين ليكتبوا ما يشوّه صورة الإسلام بأسلوب خبيث ذكي وليتسرب بذلك السم إلى عقول المسلمين .

- تشجيع الخلافات المذهبية بين المسلمين وتعميقها ثم إبرازها للمسلمين عبر الأقنية الإعلامية على أنها تمثل الإسلام ...(3).



ما العمل ؟


دعونا نعترف أن الخوف في مسألة الغزو الثقافي الذي يستهدف المسلمين والتصدي له موضوع خطير يحتاج إلى كثير من البحث ولا يمكن أن نفيه حقه عبر هذه العجالة ؛ ولكن يجب أن ندرك بأن هذا الغزو الثقافي الذي يستهدف المسلمين قد وصل إلى أشد حالاته شراسة وأنه يزداد عداء وخبثاً مع ازدياد انتشار الإسلام في العالم ؛ وهذا يعني أنه لاخيار أمام المسلمين إلا التصدي لهذا الغزو ؛ ولا شك في أن سبل التصدي مرهقة وشاقة وتحتاج إلى بذل الكثير من الجهود التي نذكر بعضها :

- مسؤولية القادة والعلماء المسلمين عن شحذ الهمم الإسلامية وبث الفعالية الروحية للأمة الإسلامية .

- الاتجاه السليم إلى الأجيال المسلمة الجديدة وإيجاد حالة التصاق متين بينها وبين الإسلام وقيمه ومبادئه.

- نشر الوعي الثقافي الكفيل بتكوين المسلم المتمتع بالشخصية الإسلامية الحقيقية التي تملك تصوراً شاملاً عن الكون والإنسان .

التعريف بالتاريخ الإسلامي المضيء وقدرة الثقافة الإسلامية على الوقوف في ساحة الحياة وقدرتها على قيادة الأمة نحو ما تصبو إليه .

- تأمين الوسائل الإعلامية الحديثة بتقنياتها المتطورة والقادرة على التصدي للوسائل الإعلامية المعادية .

إن سبل التصدي كثيرة وشائكة كما قلنا ؛ ولكن كل السبل لا يمكن أن تكون فعالة ما لم يلتق المسلمون على صعيد واحد وعلى هدف واحد ؛ والالتقاء يجب أن يكون مبنياً على حب الخير والمصلحة لجميع المسلمين دون تمييز ؛ ويجب ألا يغرب عن البال بأن الأعداء هم الذين زرعوا الشقاق والخلاف في صفوف المسلمين .

=========





كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
وبعد: فمما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى، ذلك أن الاستعمار في العصر الحديث قد غير من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها وعدم فعاليتها، ومحاربة الشعوب واستماتتها في الدفاع عن دينها وأوطانها ومقدراتها وتراثها حيث إن الأخذ بالقوة، وعن طريق العنف والإرهاب مما تأباه الطباع، وتنفر منه النفوس لا سيما في الأوقات الحاضرة بعد أن انتشر الوعي بين الناس، واتصل الناس بعضهم ببعض وأصبح هناك منظمات وهيئات كثيرة تدافع عن حقوق الشعوب، وترفض الاستعمار عن طريق القوة، وتطالب بحق تقرير المصير لكل شعب، وأن لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم واستثمار مواردهم وتسيير دفة الحكم في أوطانهم حسب ميولهم ورغباتهم في الحياة، وحسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات ومذاهب وأساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف، وصدامات مسلحة وحروب كثيرة دامية.
ولكنه قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل، واتخذ كثيرا من المخططات بعد دراسة واعية وتفكير طويل وتصور كامل لأبعاد هذه المخططات، ومدى فعاليتها وتأثيرها، والطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد، وأهدافه تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين، مبالغة في الدهاء والمكر والتلبيس، ركز فيها على خدمة أهدافه ونشر ثقافته وترسيخ الإعجاب بما حققه في مجال الصناعات المختلفة، والمكاسب المادية في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم، وأعجبوا بمظاهر بريقها ولمعانها، وعظيم ما حققته وأنجزته من المكاسب الدنيوية والاختراعات العجيبة، لا سيما في صفوف الطلاب والمتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة والشباب - اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر هذه الحضارة؛ لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوربية والأمريكية وغيرها حيث يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات والشهوات على أيدي المستشرقين والملحدين بشكل منظم، وخطط مدروسة، وأساليب ملتوية، في غاية المكر والدهاء، وحيث يواجهون الحياة الغربية بما فيها من تفسخ وتبذل وخلاعة وتفكك ومجون وإباحية.
وهذه الأسلحة وما يصاحبها من إغراء وتشجيع، وعدم وازع من دين أو سلطة، قل من ينجو من شباكها ويسلم من شرورها، وهؤلاء بعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم وتسلمهم المناصب الكبيرة في الدولة أخطر من يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله، ويضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة، بل بوسائل وأساليب أشد عنفا وقسوة من تلك التي سلكها المستعمر، كما وقع ذلك فعلا في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت على صلة وثيقة به. أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر والبعد عن مساوئه وأضراره فيتلخص في إنشاء الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى الخارج، وتدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية والثقافة الإسلامية في جميع الجامعات والكليات والمعاهد؛ حرصا على سلامة عقيدة الطلبة، وصيانة أخلاقهم، وخوفا على مستقبلهم، وحتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإسلامية، وحسب حاجات ومتطلبات هذه الأمة المسلمة، والواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج وحصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل.
فنسأل الله التوفيق لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وحماية المسلمين من كل ما يضرهم في عقائدهم وأخلاقهم إنه جواد كريم.
وهذا المقام مع ما ذكرنا آنفا يحتاج إلى مزيد من العناية في إصلاح المناهج وصبغها بالصبغة الإسلامية على وجه أكمل، والاستكثار من المؤسسات العلمية التي يستغني بها أبناء البلاد عن السفر إلى الخارج واختيار المدرسين والمدرسات والمديرين والمديرات، وأن يكون الجميع من المعروفين بالأخلاق الفاضلة والعقيدة الطيبة والسيرة الحسنة، والغيرة الإسلامية والقوة والأمانة؛ لأن من كان بهذه الصفات أمن شره ورجي خيره وبذل وسعه في كل ما من شأنه إيصال المعلومات إلى الطلبة والطالبات سليمة نقية.
أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لا سيما في مجال التصنيع وأشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه وأخلاقه المتشبع بالثقافة والروح الإسلامية، واختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه وصلاحه ونشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة، ويقوم بالدعوة إلى الله هناك، وفي الوقت نفسه يشرف على البعثة، ويتفقد أحوالها وتصرفات أفرادها، ويقوم بإرشادهم وتوجيههم، وإجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه وتشكيك وغير ذلك.
وينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم ولو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل والشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها، ويبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها، والحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلام أهل العلم مثل أحكام الرق، وتعدد الزوجات بصفة عامة، وتعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، وحكم الطلاق، وحكمة الجهاد ابتداء ودفاعا وغير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه.
أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات والكتب والصحف والمجلات والأقلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر، وأخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم والمرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف، والدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام والثقافة الإسلامية من مكائده وشره مع التأكيد على دعاة الإسلام وحماته للتفرغ لكتابة البحوث والنشرات والمقالات النافعة، والدعوة إلى الإسلام، والرد على أصناف الغزو الثقافي، وكشف عواره، وتبيين زيفه حيث إن الأعداء قد جندوا كافة إمكاناتهم وقدراتهم، وأوجدوا المنظمات المختلفة والوسائل المتنوعة للدس على المسلمين والتلبيس عليهم، فلا بد من تفنيد هذه الشبهات وكشفها، وعرض الإسلام عقيدة وتشريعا وأحكاما وأخلاقا عرضا شيقا صافيا جذابا بالأساليب الطيبة العصرية المناسبة، وعن طريق الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن من طريق جميع وسائل الإعلام حسب الطاقة والإمكان؛ لأن دين الإسلام هو الدين الكامل الجامع لكل خير، الكفيل بسعادة البشر، وتحقيق الرقي الصالح، والتقدم السليم والأمن والطمأنينة والحياة الكريمة، والفوز في الدنيا والآخرة.
وما أصيب المسلمون إلا بسبب عدم تمسكهم بدينهم كما يجب، وعدم فهم الكثرين لحقيقته، وما ذلك إلا لإعراضهم عنه وعدم تفقههم فيه، وتقصير الكثير من العلماء في شرح مزاياه، وإبراز محاسنه وحكمه وأسراره والصدق والصبر في الدعوة إليه، وتحمل الأذى في ذلك بالأساليب والطرق المتبعة في هذا العصر، ومن أجل ذلك حصل ما حصل اليوم من الفرقة والاختلاف، وجهل الأكثر بأحكام الإسلام، والتباس الأمور عليهم. ومعلوم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها والذي صلح به أولها هو اتباع كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم كما قال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ وقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقال سبحانه: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقد وعدهم الله سبحانه وتعالى على ذلك النصر المبين والعاقبة الحميدة، كما قال سبحانه وهو أصدق القائلين: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وقال سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولما حقق سلفنا الصالح هذه الآيات الكريمات قولا وعملا وعقيدة نصرهم الله على أعدائهم، ومكن لهم في الأرض، ونشر بهم العدل ورحم بهم العباد، وجعلهم قادة الأمة وأئمة الهدى، ولما غير من بعدهم غير عليهم كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فنسأل الله سبحانه أن يرد المسلمين حكومات وشعوبا إلى دينهم ردا حميدا، وأن يمنحهم الفقه فيه والعمل به والحكم به، وأن يجمع كلمتهم على الحق، ويوفقهم للتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه بإحسان.
ورد في العدد الثامن من مجلة البحوث الإسلامية للأشهر الربيعين والجمادين عام 1404 هـ أسئلة وأجوبة عن الغزو الفكري معي من إعداد تحرير المجلة.
فتاوى ومقالات بن باز

RO7

:: عضو نشيط ::

#2

مـــلاك عمري

:: عضو متقدم ::

#3
يعطيك الف عاافيه

فرفوشه

:: ضيف شرف ::

#4
إضافة رد


يشاهدون الموضوع : 1 ( عضو0 زائر 1)
 

الانتقال السريع